يقولون أن الشخصية الإنسانية هى مجموعة عادات تمشى على قدمين!! وهذا بالطبع يعنى أن كل عادة نكونها لأنفسنا، سلبية كانت أم إيجابية، تعبر عن واقع داخلى فى الكيان الإنسانى، فى الفكر وفى القلب!!
بالمثل الذى ذكرناه سابقاً :
ازرع فكراً... تحصد عملاً..
ازرع عملاً... تحصد عادة..
ازرع عادة... تحصد خلقاً..
ازرع خلقاً... تحصد مصيراً..
وهذه حقيقة أكيدة، فالإنسان يبدأ سلوكياته بالفكرة. وحينما تعرض له فكرة وينفعل بها ويقبلها، يحول هذه الفكرة إلى عمل... وعندما يتكرر هذا العمل، يتحول إلى عادة، ومجموع العادات التى يكتسبها الإنسان تشكل أخلاقياته... وأخلاقياته تحدد نوع مصيره. فلو أن الفكرة كانت خاطئة، يكون الفعل المكمل لها خاطئاً.. وإذ يتكرر الخطأ يتكون لدينا عادة سلبية.. ومجموع العادات السلبية يعطى صورة سيئة للأخلاق.. ومصيراً سيئاً فى النهاية.
وما نقوله عن الفكرة الخاطئة، ينطبق أيضاً على الفكرة الإيجابية، التى تتحول إلى فعل إيجابى، ثم عادة بناءة، وخلق طيب، ومصير جيد!!
الفكر هو البداية :
الفكر هو بداية كل شئ!! فخطيئة الشيطان بدأت مجرد فكرة! إذ قال فى نفسه: "أصعد إلى السماء، أرفع كرسّى فوق كواكب الله... أصعد فوق مرتفعات السحاب، أصير مثل العلىّ" (أش 13:14،14). وكانت هذه الفكرة الشريرة سبباً فى أن "ينحدر إلى الهاوية، إلى اسافل الجب" (أش 15:14).
لقد كان الشيطان ملاكاً، وكان يستمد نوره من نور الله، وبّره من بّره، لكنه أراد أن يصير مثل العلى، وأراد أن يستقل ويتأله، فكان السقوط وكانت النهاية!!
ونفس الأمر ينطبق على آدم وحواء، إذ أغراهما الشيطان بنفس الأمر، قائلاً على لسان الحية: "لن تموتا !! بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه، تنفتح أعينكما، وتكونان كالله، عارفين الخير والشر" (تك 2:4،5) وكان الأكل، فكان السقوط!!
والتوبة أيضاً هى فكرة تتحول إلى فعل!! فالإبن الضال لما "رجع إلى نفسه" (لو 17:15)، قرر التوبة، والعودة إلى بيت أبيه، فكان الخلاص!!
لذلك وجب على الإنسان أن يعرض كل فكرة أو دعوة أو إغراء، أمام هذه القوى الثلاثة، وبذلك تتكون لديه عادات إيجابية مثل:
عادة الصلاة بالأجبية...
والصلوات السهمية...
عادة حضور القداسات والتناول...
عادة الإعتراف المنتظم...
عادة القراءة اليومية للكتاب المقدس...
عادة القراءة فى كتب الكنيسة والثقافة العامة.
عادة الميطانيات، والصوم...
عادة حضور الإجتماعات الروحية بإنتظام...
وهذه كلها عادات إيجابية بناءة، تؤدى إلى تكوين شخصية مقدسة، ومصير زمنى وأبدى سعيد.
ولكن يأتى السؤال الهام، كيف نتخلص من العادات الضارة، إذا كنا قد سقطنا فيها؟
والسؤال الآن هو : لو أننى استعبدت لعادة معينة، فكيف الخلاص منها؟
والجواب : لابد من ثلاثة أمور :
1- الاقتناع : أى أن يقتنع الإنسان بأن هذه العادة مدمرة، للروح: إذ تحرمنى من الله، وللفكر: إذ تحرمه من التركيز والإبداع والنقاوة، وللنفس: إذ تورثها التعاسة والإحساس بالذنب، وللجسد: إذ تتسبب فى أمراض كثيرة، وللعلاقات: إذ تحصر الإنسان داخل نفسه، وتمنعه من تكوين علاقات جيدة.
وإن كنا قد ألمحنا إلى آثار التدخين والخمر والمخدرات بسرعة، فالعادات الشبابية الأخرى (كالعادة السرية) فيها أخطار كثيرة مثل :
فقدان للطاقة البدنية...
فقدان للطاقة الجنسية...
نمط غير سوى، يضر بالحياة الزوجية فيما بعد.
تحدث التهابات مزمنة يصعب علاجها...
إنحصار فى الذات له متاعبه النفسية والإجتماعية.
جوع روحى وفراغ داخلى، يحرمنا من النمو فى محبة الله...
ونحن لا نريد التهويل من آثارها، ولكننا - أيضاً - لا نريد التهوين منها.
2- الأمتناع : فالاقتناع الفكرى وحده لا يكفى، إذ لابد من الأمتناع والتوقف عن هذه الممارسات السلبية. فلا معنى للاقتناع بأن التدخين له خطورته على الصحة الجسدية والنفسية والروحية، ثم يستمر الإنسان فى هذا الأمر!! ما معنى الاقتناع إذن؟!
إن هذا نوع من اللامبالاة أو الانتحار البطىء!! لأن هيكل الله مقدس، الذى هو جسدنا، "وإن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله" (1كو 17:3). فالله - بجانب أنه المحبة - هو الحق!! وهو العدل!! والتهاون مع الخطيئة بدعوى أن الله محبة، هو الطريق إلى العبودية المدمرة!!.
لقد صرخ شاول الملك قائلاً: "أخطأت" (1صم 20:15)، وصرخ يهوذا الاسخريوطى بمرارة قائلاً نفس الكلمة: "أخطأت" (مت 4:27)، ولكنهما لم يتركا الخطيئة فعلاً، وهكذا هلكا!! لذلك يوصينا سليمان الحكيم - عن إختبار - قائلاً: "من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يقر بها ويتركها يرحم" (أم 13:28). لذلك فالإمتناع هام، بعد الإقتناع!!
3- الأشباع : ذلك لأن الإنسان سوف يقول: أنا مقتنع، وأحاول الأمتناع، ولكنى ضعيف. لذلك يقول له الكتاب المقدس: "ليقل الضعيف بطل أنا" (يؤ 10:3)... "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى" (فى 13:4).. "فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 37:
.. "هذه هى الغلبة التى تغلب العالم... إيماننا" (1يو 4:5).