هو ذلك العمل الإيجابى الفعّال الذى يمارسه الإنسان (فكراً - وجداناً - جهداً) فى إطار الممارسة العامة، والتى يخرج بها من دائرة الذات الضيقة، إلى دوائر أكثر إتساعاً (الكنيسة - المجتمع - العالم).
"مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع 35:20)، وكان يسوع يجول يصنع خيراً.
ثانياً: أهمية التفاعل لابد وأن التفاعل له بركات كثيرة للفرد والجماعة. مثل :
1- تحقيق الإنتماء :الشاب المتفاعل داخل كنيسته، وداخل وطنه، والذى يشعر بأن له دوراً، وأن له رأياً مسموعاً، وأن وجوده فى الجماعة محل تقدير واعتبار، سوف ينتمى انتماءاً حقيقياً لهذا الوسط.
2- بنيان الشخصية :التفاعل هو حركة حية بين الإنسان والآخر، ففيها يخرج الإنسان من ذاته بعزلتها، إلى الآخر بمعناه الواسع والكبير، وهذا العبور المسيحى هو نقلة من الذاتية إلى الجماعية، ومن الأنا المريضة إلى "النحن" المسيحية، وهذا العبور هو بحد ذاته سر بنيان الشخصية، واكتمالها ونضوج معالمها.
3- النمو الروحى :الله خلق الإنسان المسيحى عضواً فى جسد حىّ ونمو هذا العضو لا يتم إلا بالتفاعل المستمر مع هذا الجسد... وبدون شركة العضو فى الجماعة لا ينمو "أنا الكرمة وأنتم الأغصان الذى يثبت فى وأنا فيه هذا ياتى بثمر كثير لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو 5:15) حتى ولو حقق أعلى مستوى من العلاقة بالله. لأن محبة الله لا تكمل إلا بمحبة الآخر.
4- خدمة الجماعة :التفاعل مع الآخر هو خروج للآخر، وخدمة له أينما كان، وأياً كان وروح الخدمة هى سر نمو كل جماعة "ولكن سامريا مسافراً جاء إليه ولما رآه تحنن" (لو 33:10) فهى إعلان حب لله وتجسيد حضوره. وإعلان للحق الغائب من العالم. والسعى لاحتوائه بالحب. والعودة به إلى أحضان الله المشتاقة لخلاص كل إنسان.
5- الشهادة للمسيح :المسيحية ديانة انتشار وليست ديانة انحسار.. انتشار بالحب للعالم أجمع، فالمسيحى يتفاعل مع الجميع دون إنغلاق، أو تعصب، أو طائفية ولنتذكر وصايا الرب يسوع :
1- "أنتم ملح الأرض" (مت 13:5).. والملح له رسالة، ويذوب دون أن يضيع!!
2- "أنتم نور العالم" (مت 14:5).. والنور يرشد وينتشر دون أن يضيع!!
3- "أنتم رائحة المسيح الذكية" (2كو 15:2).. والرائحة تنتشر فى كل المسكونة!!
4- "نسعى كسفراء عن المسيح" (2كو 20:5).. والسفير له رسالة ويمثل بلده فى الدولة التى يحيا فيها.
5- "خميرة صغيرة تخمر العجين كله" (غل 9:5). والخميرة حية وقادرة على الإنتشار والفعل.
هكذا بالتفاعل مع الآخرين فى المجتمع نشهد لمسيحنا بسلوكنا وحياتنا، أما السلبية وعدم التفاعل، فهى دليل الموت وعدم الحياة.
ثالثاً: قنوات تحقيق التفاعل
هذه بعض التوصيات الأساسية لتحقيق التفاعل :
1- النظرة الشاملة والتكامل فى الخدمة :أحياناً نقوم بخدمة "ناقصة" أو "خدمة مبتورة" تهتم ببعض الجوانب فى الإنسان وتهمل الجوانب الأخرى. الخدمة فى معناها تحمل روح الشمولية، وتهدف إلى تكوين شخصية متكاملة (روحياً - نفسياً - فكرياً - جسدياً - إجتماعياً) قادرة على الحياة فى أى بيئة، والتفاعل بإيجابية، وأن تشهد للمسيح الساكن فيها بمرونة قوية، تجعلها قادرة على الحركة مع الجميع دون انحراف أو ضياع!! نحتاج أن نقدم للعالم شباباً ناجحاً إيجابياً يربط الأرض بالسماء، ويحقق ملكوت السموات عملياً فى حياته اليومية.
2- تربية التـكوين لا التلقين :التلقين هو مجرد حشو معلومات فى ذهن راكد غير متحرك ولا متفاعل!! التكوين هو تحريك العقل للتفكير، والاستدلال، والتحليل، والأستنتاج، والإبتكار، والإبداع... هو تدريب الإنسان على الحّوار والتفاعل على سماع الرأى وابداء الرأى... هو رفض غسل المخ أو التحكم العقلى، هو الإصرار على إعمال العقل، والتفكير والنقد الموضوعى البناء.. هو إقتناء القدرة على إتخاذ القرار السليم ومساعدة الإنسان لنفسه فى حل مشكلاته.
3- حياة الشركة والمنهج الجماعى :إن المعنى الأول للكنيسة هو إنها جماعة المؤمنين المتحدين معاً، ليكونوا جسد المسيح "لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكل أعضاء الجسد الواحد، إذا كانت كثيرة هى جسد واحد.. فالآن أعضاء كثيرة ولكن جسد واحد.. وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً..." (1كو 12:12-27).
كل شاب هو حىّ فى هذا الجسد المقدس جسد المسيح. ولا يوجد عضو بدون وظيفة!! وإلا صار هذا "العضو" مجرد "زائدة" يمكن الإستغناء عنها، كالزائدة الدودية فى جسم الإنسان. كذلك يجب أن يحس العضو بعضويته فى جسد كامل، وبدوره الهام والحيوى لبنيان الجسد، سواء كان جسد الكنيسة أو جسد مصر!!:
رابعا- ثقافة قبول الآخر :
من أجل أن يتولد فينا تفاعل حقيقى مع الآخر، لابد أن يكون لدينا استعداد لقبول الآخر المختلف فى أى وجه من وجوه الإختلاف، والتفاهم معه والتلاقى به، لأن التفاعل المسيحى الصادق يستعمل لغة العقل، والحّوار، ويفتح باب النقاش والتفاهم باستعداد الحب.
خامسا - ثقافة المشاركة لا ثقافة الإغتراب :
إن عدم المشاركة بالفكر والرأى والجهد والإبداع والمشاعر، هو دليل على خواء الإنسان وسلبيته وموته، فقيمة أى إنسان تنبع من مشاركته، وعدم تقوقعه أو انعزاله عن خدمة اخوته فى الكنيسة والمجتمع، ومن ثم فإن الكنيسة تشرك شبابها فى إدارة الإجتماع، وتوزع عليهم المسئوليات، لكى ما تجعلهم أعضاء أحياء، ويحسوا بالإنتماء للإجتماع، وتشجعهم فى صنع القرار.. يشغل هذه الطاقات.. ينسق فيما بينها حتى لا تتعارض أو تتقاطع. يتابع هذه الطاقات حتى لا تذبل، ثم أخيراً ينمى الطاقات بنعمة المسيح.
سادسا - ثقافة الحّوار والتعددية :
الحّوار هو لغة العصر، والوسيلة الوحيدة للتفاهم بين الناس منذ الطفولة وإلى نهاية العمر لأنه يقوم على الأخذ والعطاء، الإنفعال والتفاعل، القبول والرفض.
والحّوار يؤدى بنا إلى : معرفة الإحتياجات، والطاقات، والصعوبات والمشاكل، والقناعة المشتركة، ثم القرار السليم، والإيجابية فى التنفيذ.
التعددية لا تنفى الآخر بسهولة، بل تقبل الأنماط المتمايزة، والمواهب والطاقات المتنوعة، لأنها تؤمن بالتنوع والإختلاف من أجل إثراء المجموعة، لأننا فى النهاية "أعضاء بعضنا لبعض" (رو 5:12).[b]